عودة
ق ق.~عودة
الكاتب ~ عادل عبد الله تهامي ~ يكتب..
««««««««««««««««««««««
"عودة"
ما أجمل النظر إلى أسفل حيث ساقيها ، يراقب سموقها حتى يشتعل حبا وشوقا ، ذراعيها يمتدان وكأنهما يبتهلان دعاء بلسان متشوق، وخشوع ناسك ، وعنقها الغض ممشوقا إلى رأس مرفوع الهامة كبرا وحياء .
جلس تحتها وتوسد الأرض حتى غاب
عن الدنيا ، بينما عانقت العصافير والبلابل قمتها ، أيقظه شعاع تخلل بين
ثناياها.
وجد في الفراغ الكبير بين الساقين وابتعادهما مكانا أفضل للنوم .
احتضن أحدهما، ونام فوق الآخر.
كان النسيم يهب رطبا ، فيغريه على الخلود لساعات، تغازله الأحلام بعيدا
عن فحيح الثعابين ، وطنين البعوض.
الزمان صيفا التهبت حرارته حتى بلغت درجة الغليان ،والأرض تشققت حتى ظهر تجويفها عميقا.
يتكاثرون ويتزاحمون ويهرولون ويصرخون بينما هو لازال في غيبوبته
يركله أحدهم ، ويجذبه الآخر، ويصرخ
فيه غريب لا يعرفه ،ولكنه لا ينهض ..!
كسرتها عاصفة هوجاء ، وأخرجتها من جوف الأرض وتكاثرت المياه حتى حملتها،وهو لازال في تجويفها تحركه، وتحاول إبعاده عنها ولكنه يتشبث بها .
تجري به بسرعة مخيفة ، لا يغوص في داخل المياه ،ولا يغطي رأسه غثاؤها ..!
فحضنه لها يحميه،وتعلقه بها ينقذه من الغوص داخل مياه هادرة بلونها البني
الداكن ،يركبها كسفينة طبيعية ،يخشى
تكسر أطرافها وهي بلا حول ولا قوة ،
تحمله،ويحملها الماء ، يبحث عن عاصم
فيأتيه صوت هادر : لا عاصم اليوم من أمر ربك .
ينكسر عنقها ويبتعد حتى يختفي، ويتلاشى ذراعها الأيمن ،ثم الأيسر
يتفتتان دون إرادة ، و يغوصان .
تبقى جذورها والساقين وهو ..!
ثورة الطبيعة بلغت ذروتها ،وخوفه
من الموت يحفزه على التمسك بها
يمر شريط حياته ،يتساءل عن الثمار
التي كانت تغريه ، وقدها الممشوق الذي
ولع به ، وذراعيها ،يتحسس مكمنه ،ينظر
إلى جذورها ،يدرك بعد سكون الماء أنه
والسيقان لن يفترقوا أبدا ..
غرس الجذور في عمق الأرض الغضة،
وأرادها واقفة كما كانت ولكن وهنه وضعفه خذلاه، أشار لهم فهبوا يجرون
أقدامهم التي تغوص حتى اقتربوا .
دفعوها بقوة واهنة ولكن كثرتهم ومحاولاتهم المتكررة جعلتهم ينجحون حتى عادت لشموخها
لكن دون ذراعين ، ودون عنق ..!
عادل عبد الله تهامي السيد علي
مصر
تعليقات
إرسال تعليق