الابيض الجميل



 قصة ~ الابيض الجميل 

الكاتب ~ د . جرجس حوراني ~ يكتب...

««««««««««««««««««««

الأبيض الجميل

لماذا أشفقت على تلك المرأة ؟ لا أعرف. .هل كان منظرها الموحى بالبؤس، سببا لذلك؟ أم دموعها التي ذرفتها وهي تترجى مالكي، كي يهاودها بالسعر، فكل ما تقدمه له من مال إنما استدانته من جيرانها، لكنه رد عليها بجفاء: ما دمتِ لا تملكين ثمنا للخروف، فلم تشترينه!. أجابته بصوت متهدج: أولادي الأربعة أجهل أين طيرتهم الأيام. .الكبير اختفى منذ بداية الأحداث ولم أسمع خبرا عنه، والثاني رحل مع زوجته إلى لبنان، ولا أدري مصيره والثالث ترك البيت وركب قاربا متجها إلى اليونان، وأنا أصلي كل يوم كي يهديه الله ،أما الرابع فهو يقاتل في الجبهة الجنوبية مع الجيش، ولم أسمع صوته منذ أكثر من ثلاث سنوات. .وبعد ألا تريدني أن أقدم أضحية لله أدعم بها صلاتي. قال المالك: الله لا يريد من الفقراء أية هبات، إنه يعرف ما يحتاجون ويقدمه لهم مجانا. .صدره واسع.

ازداد بكاؤها: لكن في كافة الأحوال يقول المثل:"طعمي التم بستحي العين" و ضجر البائع من نقّها، و ضجرتُ أنا من قسوته:" ألا يستطيع أن يكون رحيما مع أحد؟". وأخيرا سرتُ معها مطمئنا، فرحا بعد أن تنازل المالك عن ربع الثمن. كانتْ المرأة تشعر أنها امتلكت العالم ، وكانت تنظر بين الفينة والأخرى تطمئن أنني لا زلت أسير وراءها وتقول لي: أنت منقذي أيها الأبيض الجميل، دمك هو الطريق لعودة أبنائي سالمين.

الحقيقة إننا نظلم البشر ، إنهم قوم طيبون، وإن كانوا أحيانا يقومون ببعض الأفعال المشينة، اعتقد أن ذلك ناجم عن معتقدات لهم خاطئة، لكنهم محكومون بها. .في كافة الأحوال هم ليسوا من الصفيح، هم كتلة من المشاعر والأفكار . .ولا نستطيع أن نغير ما خلقه الله، لقد جبلهم أصلا من طين، ولم يجبلهم من نجوم السماء.

كانت - كلما اقتربنا من الساحة-  تستعجلني أكثر وتشدني بقوة، وأشعر بتوتر يدها ينتقل إلى رقبتي أبررُ لها ذلك، أربعة أبناء ضائعون، ليس بالأمر السهل. مرة ضاعت أختي ، آه كم كانت جميلة، اللون الأبيض المتداخل مع الأسود كان يزيدها دلالا، لم أنم ليلة كاملة حتى وجدها الراعي عبود، يا له من راع طيب، يستسلم للنعاس، ويتركنا نمرح كما نشتهي. أتمنى من كل قلبي أن أصل إلى الساحة العامة، حيث يقام العيد، لأخدم هذه المرأة المسكينة، من يدري ربما يكون الله يحب منظر الخروف وهو يتلوى، ويحن قلبه على المرأة ويعيد أبناءها. . البشر طيبون، ويستحقون منا التضحية. عندما وصلت الساحة، ووجدت الأعداد الكبيرة من أصدقائي، شعرت بالأنس، ولكن ماذا حدث لي مع أول خروف يذبح، ارتعدت مفاصلي، رجف قلبي، تعرقت. ما بي؟ ماذا يحدث؟ كيف انهارت شجاعتي فجأة؟ الخوف شعور طبيعي يبدو أننا نحن أيضا معشر الخرفان لسنا مصنوعين من الصفيح. لم أجد نفسي إلا وقد شددت الحبل، فأفلت من يد المرأة ورحت ُأركض بكل ما أملك من طاقة. الخوف شعور طبيعي فلم أعاقب نفسي. دارت المرأة نحوي ، تلاحقني ، سمعت صراخها: اللعين هرب. دفعت دم قلبي ثمنا له . اشتد عويلها واشتد ركضي، ولكن أحدهم صوب بندقية نحوي وأطلق. بالرغم من كل شيء البشر طيبون. لقد فعل ذلك استجابة لنداء المرأة المستغيثة خطرت لي فكرة سريعة قبل أن تهتكَ جسدي الطلقاتُ المتلاحقة وترديني قتيلا:" هل يقبل الله خروفا تخردق جسده بالرصاص، ويلبي دعوات المرأة ؟

د . جرجس حوراني 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع