حنانيك
ق.ق. ~ حنانيك
الكاتب ~ عادل عبد الله تهامي ~ يكتب....
««««««««««««««««««««««
(حنانيك)
سمعتهما ورأساهما يتناطحان ، وذراعاهما يتبادلان الإمساك بالظهر ،
ظننتهما يلعبان أحد ألعاب الطفولة،
التي كانت تستهويني ،ولكن النواح
كان يصدر منهما بصوت يتدرج صعودا
ثم هبوطا، فتناول كل منهما الأخرى منديلا من القماش الدبلان؛ لتمخط أنفها الذي تحول إلى مايشبه جزرة حمراء،ثم
يعودان للبكاء مجددا ،دخلت برأسي
من بين الذراعين ،وكأنني أستظل بقبة
تحجب الضوء ،والرؤية ،كانت رغبتي
في استطلاع الأمر تسوقني لهذا الفضول الذي غير مزاجهما لابتسامة،ثم
ضحكات ،نظرت باندهاش وراقبت عيناهما، فاحتضنتني أمي وخالتي بحب
لم أعهده سابقا ..!
غاب أبي عن المشهد لأيام كانت تحسبها
أمي باقتطاع ورقة من النتيجة المعلقة
على الحائط، وكانت تحفظها بصندوق خشبي تضعه فوق دولاب غرفة نومها .
تعلقت بذيل جلباب أمي حتى المطبخ
وكانت خالتي تسبقها حتى بقينا ثلاثتنا
بين صينية العشاء و أواني الطبيخ المتنوعة ، ترص أمي الأطباق وتغرف خالتي ،وألعق لعابي من الجوع ،ثم
كانت سعادة إخوتي بمشهدنا نتحرك نحوهم بما لذ وطاب ..!
جلسنا على السفرة ننتشي بالرائحة الزكية ونلتهم ما لذ وطاب ،بينما وجمت
أمي ثانية، ومالت عليها خالتي قائلة:
أكلي الولاد و بكرة يحلها من لا يغفل ولا ينام .. سأل أخي الأكبر ، واستفسرت
شقيقتي الصغرى ولكن أمي ظلت صامتة تحجب الإجابة ،وخالتي تربت على ظهرها .
كنت رغم صغر سني أربط بين غياب أبي وحزن أمي،و رد فعل خالتي .
قالت خالتي:
نذالة وقلة أصل .
لم أدرك معنى العبارة ولكن من طريقة
خالتي شعرت بأنها شتائم لشخص ما
خمنته أبي ..!
أفصحت خالتي عن الإجابة حين قالت:
تزوج الموكوس..!
كان إيه ناقصه ، دا أنت قايداله صوابعك العشرة شمع ..!
سر غياب أبي وجود امرأة في حياته
غير أمي .. سمعت عن زوجة الأب ،وما تفعله مع أبناء زوجها ،تخيلتها كغول الحواديت بأسنانها وأنيابها الطويلة الحادة ،وشعرها الأحمر الداكن يتناثر
في عشوائية ،وعيناها تتقدان بنيران ولهيب ،بينما أظافرها الطويلة حادة
معقوفة تنهش بها دون رحمة ..!
عندما حانت لأبي فرصة رؤيتنا بحكم
كبار رجال الحي ،أصر على اصطحابنا
لبيته ،يومها هربت ،ولكنهم أخذوني عنوة فصرخت ..
تعجب أبي من موقفي العدائي ولكنه
ضمني بحنان افتقدته وقربني من صدره الذي اشتقت إليه كثيرا ،فهدأت
نفسي ..!
عندما ركبنا سيارته الفارهة ، شعرت بحالة من الزهو والفخار وتناسيت حالة أمي النفسية ،وكلام خالتي الذي يؤجج
الصراع بينها وبين أبي .
كانت في استقبالنا بشوق ..وجهها بشوش ،وذوقها رفيع في اختيار ملابسها ، تعلقت بها من النظرة الأولى
وسرت وراءها كما تعودت مع أمي ،
قدمت لي الجيلي المثلج والكريمة ، وجلست على الأرض تلاعبني بألعاب
طفولية مذهلة ، غبنا سويا في حالة
من الحميمية ،شيئا غريبا جذبني لتلك
السيدة ،وهي تؤدي صلاتها رغم أني أمتطي ظهرها وأتعلق برقبتها، حتى أنهت صلاتها وهي تلتقطني بين ذراعيها
بحنان وود ، تعجب أبي وعلت وجهه ابتسامة رضا ..!
تذكرت نفس الطريقة التي تعاملني بها
خالتي و تعلقي بها ،كم أنا محظوظ بزوجة أبي وخالتي وأمي وأبي..!
كبرت وتزوجت والعلاقة تمتد بينها وبيني وبين زوجتي وأولادي .. تلاشى
شعور الخوف من زوجة الأب وحل محله شعور الأمومة الذي لم يتغير
بعد ولادتها لأشقائي الأربع من أبي
كانت تجمعنا وتساوي بيننا ،وتناقشنا
وتنصح بقلب أم لا يعرف الكراهية.
حين صارعت المرض صارعته مرارا
وتكرارا بابتسامتها التي لا تغيب حتى
صرعها في النهاية فلحقت بأبي .
أستعيد كلماتها وهي تحتضر ،وتمسك
بيدي وتقربني من صدرها ،وتقبلني ، والألم يعتصرني والغصة تملأ قلبي
فقد ماتت أمي التي شعرت بحبها أكثر من أمي ..!
عادل عبد الله تهامي السيد علي
مصر
تعليقات
إرسال تعليق