و لكنه لا يأت



 قصة ~ ولكنه لا يأت 

الكاتب ~ أحمد حامد ~ يكتب..

«««««««««««««««««

و لكنه لا يأت


إنه منتصف الليل و لم يعد هناك كثيرا من الوقت.

يجب الإسراع للفراش في الحال، و لو أني أحب السهر كثيرا.

أبدأ  بطقوس معروفة،  أنتفض من أريكة الصالون الوثيرة، أغسل أسناني سريعا، أطفىء أنوار البيت، و أذهب لغرفة النوم و أنا أتخبط في قطع الأثاث وسط الظلام.

و أخيرا أتسلل تحت الغطاء في هدوء كي لا أزعج زوجتي التي سبقتني للفراش بكثير .

هناك تكات الساعة الرتيبة،  الدقائق الطويلة  في انتظار قدوم النوم و لكن…النوم لا يأت. 

هناك الأرق، هموم تتزاحم في رأسي، هناك شخير زوجتي، و عشرات الأفكار تمنع النوم من عيني.

الأمس أعلن لي الطبيب عن إصابتي بداء السكري و وصف لي حقن الأنسولين في الصباح و المساء، طلب مني رجيم قاس و التخفيف من ضغط العمل.

في الغد سأقابل المدير، إنه شديد السمنة، متجهم دائما و غاضب، أعرف جيدا ما ينتظرني الغد، كثيرا من العمل، و طلبات المدير التي لا تنتهي كأني الموظف الوحيد في الشركة.

و المرتب….أنه لن يكف لآخر الشهر ، سوف أضطر حتما إلى إلغاء الأجازة الصيفية للشاطىء، و أواجه غضب زوجتي بشجاعة.

الماضي يطرق عليك الباب الآن، أتذكر الحب الضائع، حنان …حب الشباب الأول،

 في أحد الأيام جاءت، أقسمت لك بحبها،  ذرفت دمعتين و قالت…

 "إنها النهاية، الظروف أقوى مني ، علينا أن نرضى بالنصيب." و تركتك تتألم  وحدك.

 لقد نسيت كل شيء الآن، نسيت حتى وجهها و باتت لك غريبة، أصبحت تشعر نحوها بلا مبالاة، و أدركت أن مشاعر الماضي لم تكن إلا حماقة، مجرد وهم زائف.

أتوسل جفوني كي تغمض، أتقلب يمينا و يسارا، أضع الغطاء، أزيح الغطاء، النوم لا يأت ….. 

هناك موجة بحر عالية، أبعدتني كثيرا عن الشاطىء.

أرى حنان، الفتاة التي أحببتها تلوح لي من بعيد، من على الضفة الأخرى، أتلهف لرؤيتها،  يغمرني الحنين فجأة للحب الأول كأنه كان الأمس.

على أحد الصخور جلس المدير السمين بشورت بحر واسع  يبتسم لي و في يدة ملف عمل و في الأخرى حقنة الأنسولين.

الموج يضرب الشاطىء بعنف و يوقظ زوجتي النائمة على الرمال، لقد توقفت عن الشخير.

يا لها من أفكار غريبة و مضطربة، يا لها من خرافات. 

و لكن كل هذا لا يهم، ما دمت الآن أغط في نوم عميق….


احمد حامد 

مصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع