ما كان أبا أحد منهم



 ق.ق. ~ ما كان أبا أحد منهم 

الكاتب ~ ابو القاسم محمود ~ يكتب..

««««««««««««««««««««««


ما كان أبا أحد منهم


كيف يمكنني أن أفعل ذلك؟ المطلوب صعب!

لكن المقابل مغر جدا...

سهرت كثيرا من أجله، استنزفني نفسيا وجسديا وماديا أيضا...

تلك المكالمة وضعتني في حيص بيص، وشروط المتحدث قاسية  لم أستطع الإنصات لها تباعا، بحيث قاطعته مستفسرا أكثر من مرة...

-تريث يا أخي حتى تسمع العرض كاملا وبعدها احكم... كان العرض في النهاية بضمانات وسيط قريب، سخيا  أسال لعابي...

-لكنهم ما يزالون صغارا...

-هذا ما أبحث عنه... 


كنت وحدي، لم أشأ أن أخبر زوجتي الجديدة، هي ستقبل بكل تأكيد، فما تزال شابة مقبلة على الحياة...

وأنا هل يمكن أن أقبل عرضا كهذا؟!

ليت القدر أمهل أم أولادي حتى هذه اللحظة، كانت طيبة الأرومة  ناضجة الرأي، ثم إنها شهدت كل هذه المخاضات وعاشتها بكل التفاصيل وعانت تبعاتها المختلفة، هذا الجيل لا يزن الأمور بموازينها ولا يحسن ترتيب الأولويات، أو لأكون منصفا فهم مستلبون حقا، وينبغي  محاكمتهم وفق هذا العصر... 

الأفضل أن أستشير نفسي فقط ولا شيء غيرها، الأولاد أولادي و وحدي صاحب الحق في التصرف، ليتها طال بها المقام لتشهد موسم الجني، لكني سأفعل ذلك وسيصلها نصيبها من الدعاء على الأقل...

ماذا لو استغللت نصيبها في عمل يكون لها صدقة جارية؟! ألا يبدو الأمر أحسن؟! 

 وماذا سيكون ردها حين تعلم هذا الذي فعلت؟! هل ستقبل؟

دعني أجرب الأمر في نفسي فنادرا ما كنا نختلف...

لأتخلص من أحدهم أولا، وبعد ذلك لو استطعت على ذلك صبرا يمكنني أن أعمم، لكن كيف أختار بينهم؟ فأنا أحبهم بالتساوي لا فرق بين هذا وذاك...

في شاشة حاسوبي غرزت عيني متأملا، أقلب وجهه محاولا تناسي هذه الصفقة، أنا رجل مزاجي، سرعان ما تفقد الأشياء دفئها في رأسي، وتبرد كأنْ لم تكن...

 محتاج فعلا لهذا الرقم الذي ما يزال صداه يتردد!

لكني سأفعل، و أستطيع التخلي عن بعضهم فهم كثر،  الرجل مصر على الكل، هذا الشرط مجحف حقا، كيف سأبدأ حياتي من جديد بعد توقيع الاتفاق؟ وهل سأتقبل بعد هذا الفعل العيش في نفس المكان؟ وحتى لو سافرت إلى مكان قصي، العالم قرية صغيرة، ولن أتقبل وأنا بهذا العمر حين أشبك أصابعي بأصابع زوجتي في مكان من هذه المعمورة أن يعيرني أحدهم بالأبتر...

توقفت كثيرا عند هذه الصفحة على الشاشة...

أقرأ ملامحه، من أخمصه حتى قدميه، حلقت بي السنين لسنوات، كان أحبهم إلى نفسي، أعزهم بنفس القدر لكنه البكر ولا يلام  المرء في ما لا يملك... هي الأخرى كانت تعشقه بعنف، ترى في تفاصيله ملامحها الطفولة! 

هل يمكن لشخص أن يتخلص من أولاده دفعة واحدة، 

والذكريات والحنين و الجدوى؟

نعم يمكن، ويكفي أن يخرج من جلبابه القديم، يفكر بعقله بدل فؤاده، يرتدي ثوب هذا العصر...

حاصرتني الأسئلة، قبل الحسم بقليل، هي أيضا كالمصائب لا تأتي فرادى! 

-يا هذا  بم ستفيدك هذه الكمشة من الأوراق وأنت في أراذل العمر؟

يجيبني صوت بداخلي: والله ستنتهي عند باعة عباد الشمس و الكاكاو والفستق بالتقسيط...

صحيح هذا ما سيحدث بالضبط، لكن كيف أقنع مدير هذا المنبر الثقافي بمسح قصصي؟ كم سأفتقد من الأصدقاء جراء ذلك؟ سأذبح ليس نصوصي فحسب، بل جهدا مقدرا أحيطت به، أخذ من الجهد والوقت ما لا يحصى ولا يقدر بثمن، سأحاول...

مع أول خطوة، تخلصت من وساوسي، ضغطت على زر المسح، انتظرت للحظة...

دق صوت رسالة على الخاص

-ماذا دهاك؟ أأنت مخبول...؟! 

و بأصابع مترددة قصصت عليه القصة بالتفصيل، كان يقاطعني بين فينة وأخرى برفض قاطع، كلما استرسلت بدأ يتفهم موقفي ويخفف من نبرته الحادة، الخاتمة أصابته بالدهشة...

-وماذا تنتظر يا وجه الفقر؟! ألا تعلم أن أبناء التبني يعودون أخيرا لذويهم. 


-أبوالقاسم محمود/المغرب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع