عازف الكمان



 ق.ق ~ عازف الكمان 

الكاتب ~ عبد الرحمن مساعد ~ يكتب..

««««««««««««««««««««

عازف الكمان


بمهارته الفائقة وإحساسه المرهف، استطاع العزف على آلة العود سماعيًا دون تعلم النوتة الموسيقية. ثم أعجبه صوت الكمان، وقال: "فيه حنية أكثر". وسرعان ما أصبح عازفًا ماهرًا للكمان، تخرج من أصابعه أحلى النغمات لأجمل الأغاني. كان سريع الالتقاط لأي نغمة موسيقية، لكنه لا يحفظ الكلمات، على عكسي أنا؛ حيث حفظت الكثير من الأغاني. كنا نجتمع سويًا، وما إن يبدأ العزف حتى أدندن معه بالأغنية، فيزداد طربًا ونشوة، ويكبر إحساسه بالعزف، وكأن آلة الكمان تتكلم.


كان والده دائم الاعتراض عليه. ذات مرة، عندما رآه يحمل آلة الكمان، صرخ في وجهه:

ــ أين الرجولة؟ يا خسارة ابني! بدلًا من أن يحمل السيف أو البندقية، أصبح راقصًا من الغجر!


لكنه ظل مصرًا وواظب على اهتمامه بالعزف.


ذات ليلة من ليالي الشتاء القارس، دخلت عليه في غرفته. كان كعادته يعزف، وأمامه إبريق شاي كبير. بدلًا من المدفأة، كان هناك بابور كاز، وفوقه علبة صفيح بها ثقوب كثيرة لتوزيع الدفء.


قال لي: "ما رأيك أن نسجل شريطًا؟"

وافقت. كانت هناك علبة بلاستيك بدأت أنقر عليها مع عزفه لأصنع الإيقاع. أول أغنية عزفها ولا زلت أحبها كانت:

"يا دارة دوري فينا... ظلي دوري فينا...

تينسوا أساميهن وننسى أسامينا".


ثم عزف: "القلب يعشق كل جميل"، وهكذا امتلأ الشريط.


في اليوم التالي، استمعنا للشريط. كان صوت البابور واضحًا فيه. ضحكنا كثيرًا وقلنا لبعضنا: "ما هذا الهبل!"


لا أدري من أقنعه بالعمل مع فرقة لمغنٍّ من الدرجة العاشرة، يعمل في حفلات الأعراس. ربما كان حب الظهور. كان يحلو له شرب كأس أو كأسين من الويسكي لينتشي ويخرج أحلى موسيقى. حتى أنه كان يطغى على المغني بعزفه.


ذات يوم، أتاه خبر وفاة ابنه الفتى اليافع إثر حادث دهس. بكى كثيرًا واعتكف في البيت أكثر من شهر. خرج بعدها بلحية كثة وأصبح من رواد المساجد في كل الصلوات.


وذات يوم زرته. رأيت آلة الكمان فوق ظهر الخزانة يعلوها الغبار. قلت له: "ما أخبارها؟"

قال: "عهد ولى وأصبح في خبر كان."

عبدالرحمن مساعد أبوجلال ,عمان/الاردن

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع