نهر من بارود



 ق ق ~ نهر من بارود

الكاتب ~ احمد ماريا~ يكتب...

«««««««««««««««««««««««

نهر من بارود 

في تلك المدينة المنكوبة، حيث لم يعد الصراخ تعبيراً عن الألم بل أصبح عادة يومية كشرب "شاي البارود" الصباحي 

، لم يكن الموت نهاية الرحلة، بل مجرد محطة توقف في طريق رحلة أكثر غرابة.

كل عام، ومع إطلالة "قمر الزئبق"  يحتفلون بـ "مهرجان الزئبق". ليس مهرجاناً عادياً بالطبع، بل مزيجاً غريباً من مسابقة ملكة جمال الجثث  وعروض بهلوانية يؤديها أعضاء "سيرك الموتى الأحياء" وسوق سوداء لبيع الأعضاء البشرية  يُشرف على كل هذه الفعاليات "جامع الجماجم"، وهو فنان تشكيلي مُعتوه يُحوّل جماجم الموتى إلى تحف فنية "راقية"، من ثريات مصنوعة من جماجم الأطفال (مع ضمان "إضاءة بريئة") إلى أدوات مائدة مصنوعة من جماجم كبار السن (مع خاصية "تذكر أيام زمان").

وسط هذه الاحتفالات الصاخبة، تظهر "طائفة البارود"، جماعة دينية مُتشددة تُقدّس البارود كقوة تطهيرية. يعتقد أتباعها، الذين يرتدون أزياءً مُضحكة مصنوعة من أكياس البارود الفارغة، أن الانفجار هو الوسيلة الوحيدة للخلاص من "لعنة الزئبق". يُقيمون طقوساً غريبة، مثل "حمام البارود" و"عشاء البارود الأخير، وينشدون ترانيم غريبة على أنغام أغاني البوب القديمة، مُحوّلينها إلى أناشيد دينية تُمجّد قوة الانفجار.

في المقابل، تظهر حركة يائسة تُسمى "الهروب العكسي". يؤمن أتباعها بفكرة عبثية، وهي أن السباحة عكس تيار النيل الملوث ستعيدهم بالزمن إلى الوراء. يُحاولون السباحة بأدوات غريبة، مثل أجنحة مصنوعة من ريش البط الملوث بالزئبق، أو قوارب مصنوعة من أطراف بشرية مُتحللة. ينتهي بهم المطاف غالباً جثثاً تطفو على سطح النيل، لتُضاف إلى "مجموعة" جامع الجماجم الفنية، أو كوجبة شهية لأسماك النيل المُتحولة.

تُطل علينا أيضاً "عرافة الزئبق"، امرأة عجوز تُدخن غليوناً مليئاً بأبخرة الزئبق، وتدعي القدرة على قراءة المستقبل من خلال تحليل فقاعات الزئبق في دماء الناس. تُقدم نصائحها الغريبة للجميع، من أعضاء طائفة البارود إلى أعضاء حركة الهروب العكسي، مُقدمة لهم نبوءات مُبهمة تزيد من حيرتهم ويأسهم.

أخيراً، يظهر "الهارب العائد"، شخصية غامضة هرب من المدينة منذ سنوات، لكنه عاد فجأة مُبشراً بعودة "العصر الذهبي" للمدينة. يُلقي خُطباً حماسية أمام السكان المُلوثين، واعداً إياهم بالخلاص من الزئبق والبارود، لكن سرعان ما ينكشف زيفه، حيث يُقبض عليه وهو يبيع "ترياقاً سحرياً" 

الراوي، الذي ما زال يعاني من كوابيس المدينة، يُحوّل ذكرياته المؤلمة إلى "لوحات فنية" يبيعها في "معارض الحياة"، مُستغلاً فضول الناس تجاه هذا العالم الغريب والمُريع.


احمد ماريا 

السودان 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع