الشرق البعيد



 ق.ق ~ الشرق البعيد 

الكاتبة ~ سعيدة محمد صالح ~ تكتب...

«««««««««««««««««««««

   الشرق البعيد 

في بلدة  صغيرة معلقّة  بين القمذة و تخوم الغابة، حيث تمتد الحقول مثل بساط أخضر، عاش سامي، فتى لم يجد في العالم معنى ثابتًا. منذ صغره، كان يطرح أسئلة أرهقت والده الفلاح البسيط:

"لماذا نحن هنا؟ لماذا يولد الإنسان ليكدح ثم يختفي؟"

لم يكن لأحد إجابة تقنعه. كان يراقب النهر الذي يشق القرية، متأملًا مياهه المتجددة، متسائلًا إن كان الإنسان مثل النهر، يتغير في كل لحظة لكنه يظل هو نفسه.

ذات يوم، جاء رجل غريب إلى القرية، يُدعى الشيخ داوود، قادمًا من الشرق البعيد، وكانت لديه معرفة بأساطير قديمة. جلس سامي عند قدميه وسأله عن معنى الحياة. ابتسم الشيخ وقال:

"إنك مثل الطائر الذي يبحث عن السماء بينما هو يحلّق فيها بالفعل."

لم يفهم سامي تمامًا، لكنه شعر بشيء غريب في قلبه، كأن المعنى لا يُقال بل يُعاش.

مرت الأيام، وبدأ سامي رحلة في الغابة، حيث قابل  ليلى، ابنة  حارس الغابة ، التي كانت ترسم صورًا على جذوع الأشجار. قالت له:

"نحن نصنع المعنى، كما أرسم هذه الصور، لكنها لا تدوم."

في تلك اللحظة، أدرك سامي أن الوجود ليس لغزًا يُحلّ، بل رقصة مستمرة بين المعرفة والجهل، بين البقاء والزوال. لم يعد يبحث عن إجابة مطلقة، بل صار يرى الجمال في التساؤل نفسه.

وفي يوم ما، وقف أمام النهر مجددًا، لكنه هذه المرة لم يسأل، بل اكتفى بالمراقبة... والابتسام.




 سعيدة محمد صالح --تونس 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع