رواية تنبض بالحياة



 قصة ~ رواية تنبض بالحياة

الكاتبة ~ رانية الصباغ ~ تكتب..

«««««««««««««««««

رواية تنبض بالحياة


كانت الجُثّة متدليةً من حبلٍ مربوطٍ في حلقةٍ حديديّةٍ توسطت سقف الغرفة وكرسيٌ مقلوبٌ تحتها. كلّ الدلائل تشير إلى أن الحادث انتحار.

قالت زوجته إنّه أتمّ كتابة روايته الأخيرة لكنّه لم يطبعها بعد.

الأوراق على مكتبه مرتبةً ومرقمةً كتبها بقلم رصاصٍ كعادته وكان على وشك إرسالها إلى مكتبةٍ في الحيّ لتنضيدها إلكترونياً تمهيداً لإرسالها إلى إحدى دور النشر.

أمسك المحقق فؤاد  بالأوراق وقال لمساعده أمجد:

 _ لابد من قراءتها،فهي آخر ما كتبه قبل موته.

_ سأتولى أنا ذلك إذا سمحت.

في المساء تصفّح أمجد الرواية، ثم جلس على الأريكة يقرؤها.

عنوانها " المفاتيح الثلاثة". بدا له ذلك مثيراً، ثم إن أسلوب الكاتب وأناقة عبارته جعلاه يستمتع بقراءتها.

كانت الرواية تتحدّث عن وتين البطل الذي يدخل كهف الحقيقة المستورة باحثاً عن الصناديق السرمدية ويلتقي الكاهن الأعظم الذي يمتلك مفاتيح الصناديق الثلاثة ويحذّره بأنّ ثمن الحقائق المستورة باهظٌ، ويعقد اتفاقاً معه ممهوراً بالدم بأنه سوف يعطيه المفاتيح الثلاثة تباعاً ليفتح بها الصناديق مقابل دفع الثمن .

وهنا يبدأ وتين رحلته مع الكاهن في الكهف حتى يصل إلى الصندوق الأكبر فيفتحه فيخرج منه نورٌ يستقر في قلبه.

يسأل وتين الكاهن:

_ما هذا النور؟

_ إنه نور اليقين ترى الأمور على حقيقتها دون زيف.

ثم يناوله الكاهن ورقة من الصندوق مكتوباً في أعلاها" الدفع لمرة واحدة فقط"، ثم عبارة تتوسطها "سيلتف ثعبان الحقيقة حول عنقك وستختار الموت طواعيةً".

ويتابع وتين سيره غير آبهٍ بما قرأ فالحياة عنده هي كيف يعيش وليست كم يعيش.

ثم يصل إلى الصندوق الثاني فيفتحه فتخرج منه رائحة نتنةٌ فيسأل الكاهن:

_ ما هذه الرائحة؟

_هذه رائحة الذنوب. أصبحتَ قادراً على معرفة المذنب وفدح ذنبه من نَتَنِ الرائحة.

ثم يستخرج منه ورقة مكتوباً عليها "سوف يُخسف قمرك وتُكسف شمسك".

اشتم أمجد رائحة كريهة بينما كانت زوجته تتحدث مع جارتها على باب الشقة، وهما يتضاحكان.

توقف عن القراءة ليردّ على جوّاله. ثم هبّ مسرعاً إلى المشفى فقد أبلغه أخوه الأكبر بأنّ والديه تعرضا لحادث سير وأن وضعهما خطير. 

وبسبب انشغال أمجد بوفاة والديه وحالته النفسية المتردية كان لابد لفؤاد من إكمال قراءة الرواية.

قرأ فؤاد ملخص الفصل الأول والثاني وما كتب أمجد من ملاحظاتٍ عليهما ثم تابع القراءة.

لم يكن شغوفاً بقراءة الروايات والقصص لكن عمله اقتضى ذلك.

بدأ الفصل الثالث بتوجه وتين والكاهن نحو الصندوق الثالث، حيث سمع وتين عند فتحه طنيناً كاد أن يصمّ سمعه 

ثم هدأ الصوت فسأل الكاهن:

_ ما كان هذا الصوت؟

_ هذا صوت الكذب، أصبحت الآن قادراً على التمييز بين الصادق والكاذب.

ثم يستخرج الكاهن ورقةً مكتوباَ عليها "ستُقطع ذراعاك وسيوضع حذاؤك على رأسك"

يودّع وتين الكاهن فيحذره من أن يحدّث الناس بأمر هذه الصناديق وإلا سيفوح الهواء الأصفر. وينهي الكاتب بذلك الرواية.

 تيقّن فؤاد بأنّ موت الكاتب كان انتحاراً.

مضى في اليوم التالي إلى عمله فقابله مساعدٌ له في القسم وراح يحدّثه عن مدى محبته وتقديره له فارتفع طنينٌ في أذنَي فؤاد حتى أمسك رأسه من شدته.

ثم تفاجأ بصدور قرار بتخفيض رتبته الوظيفية  وتعيين ذاك المساعد مكانه.

رغم تحذير فؤاد وأمجد أصرت زوجة الكاتب على طباعة الرواية ونشرها آملةً أن تحقق أرباحاً تغطي تكاليف الدفن التي تكبدتها.

لم تمضِ أيام  طويلة بعد النشر حتى حلت في العالم جائحة كورونا.

                            رانية الصباغ /سوريا


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع