السنابسة ترتدي السواد ...!



 ق . ق ~ السنابسة ترتدي السواد ...!

الكاتب ~ عادل عبد الله تهامي ~ يكتب...

««««««««««««««««««««««


السنابسة ترتدي السواد ...!


زهرات يانعات رسمن المستقبل بتفوقهن الدراسي اللافت وأصبحن قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلم أسر بسيطة .

في كل بيت رب أسرة أعيته الحيل في تدبير لقمة العيش حتى تقوس ظهره وانحنى ..!

تقترب الفتاة المراهقة هامسة في أذنه :

في شغلانة مع بنات القرية بمصنع بالخطاطبة وحيجيني منها مبلغ كويس

يساعد على المعايش ، تتحجر دموع الأب ويعود بشريط الذكريات حين كان

يحملها بين ذراعيه ويهدهدها ..!

يجلس على حصيرة خشنة متوسدا حزمة من قش الأرز .

تطارده وتستلقى إلى جواره ..تحتضنه

فيضمها بذراعيه كما كان يفعل وهي عمر السنة .

تشعر بخفقان قلبه ، و يحزنها ارتعاد أطرافه وتعيد العرض الذي تراه هبة من السماء :

مية وثلاثين جنيه يومية وشغلانة مافيهاش إهانة ، والعربية حتاخدنا من الدار لبوابة المصنع وترجعنا ..هما كام 

ساعة يابا واحنا أولى ..!

ينظر بعين واهنة وبنظرات شاردة و ينفجر باكيا .

تحيطه بذراعيها بحنان أم ..!

أبي الغالي .. لم تقصر في رعايتنا ، ولم

تدخر جهدا وقد كبرت بما فيه الكفاية 

وكلها سنة دراسية واخد الشهادة إلى

بتحلم بيها من زمان .. حشرفك يابا

إنشاء الله بتقدير إمتياز مع مرتبة الشرف .

يضمها بعاطفة وحنان تعودته منذ الصغر .

تبكي مع بكائه حتى يسمع بكاءهما الأم 

التي تنشغل بأعمال بيتها.

تهرول نحوهما بقلق وتصرخ بصوت عال:

فيه إيه ..إيه إلي جرالكم ..؟

تنهض إلى أمها وتحتضنها كطفلة :

خير يااما.. بس بتحايل على أبويا يسيبني أروح مع البنات واحنا أولى

باليومية وهو بيبكي ومابيتكلمش .

تغالب الأم دموعها، وتنظر نحو زوجها

الذي وهن عظمه وذبلت عيونه ،واشتعل الشيب في كل رأسه :

مافيهاش حاجة يابو محمد ،دول كلهم كام ساعة وأهي في وسط البنات والشغلانة مافيهاش إهانة والعربية حتاخدهم وتجيبهم ، ماتقلقش .

يودع ابنته بدموع كسيرة ويربت على

كتفها :

ماتتأخريش ولو كان الشغل صعب بلاش تروحي تاني .

تلثم جبهته وتطوقه بذراعيها وتبتعد .

يراقب سيرها الوالدان وشفاههما تتمتم بالدعوات .

السيارة تغادر القرية حتى الطريق الدائري الإقليمي ، والسيارات تنطلق في سرعة ، و حرارة شمس الصباح تشتد في أحد أيام الصيف وضوءها مصوب نحو عينيها العسليتين ،فترفع كيس به ملابس العمل ورغيف خبز وقطعة من الجبن القديم وحزمة جرجير وراور .

تحجب الضوء وهي تنتشي بالغناء مع رفيقاتها .

تنظر بانبهار لبوابة المصنع وتراقب حركتها الآلية ..تسير مع رفيقاتها في طريق طويل إلى عنبر واسع ..!

تنظر إلى الآلات في الأركان .. تشاهد

مجاميع العمل وتشاهد سير الآلة يتحرك 

وأكوام الحبوب كجبال شاهقة.

تتذكر كلمات المشرف :

الشغل بالمقطوعية 

فهمت المعنى ، وعليها بذل الجهد حتى تعود قبل غروب الشمس ..!

تشعر بالسعادة بين رفيقاتها، هن في نفس العمر ولديهن نفس الطموح والتفوق ، والحال هو الحال .. كانت

تضحك وهي تردد لصديقتها المقربة بلغة إنجليزية تتقنها:

كوبي بيست .. ضحكاتهن ونشاطهن في آن واحد .

نشوة أخرى تنتابها بعد أن غسلت وجهها

من الغبار الذي تطاير ، وبدلت ملابسها وهاهي تنتظر أجرتها .. ابتسمت وشاركها الفرحة قريناتها ..كل منهن ستدخل السعادة على أسرتها .

تشعر كل بنت بأنها تمنح بيتها قبلة حياة جديدة .

كما ذهبن يعدن والشمس تودع السماء

بلونها البرتقالي .

تشعر بنسيم يدخل من فتحة صغيرة بزجاج النافذة يلثم وجهها ويرق في حنو يجعلها تشعر بالسعادة.

تغلق عينيها و تغفو ،ثم تستيقظ على الصراخ ...!

السائق الأرعن بسيارته العملاقة يسير عكس الإتجاه ..سرعته مخيفة ..تتمتم بالشهادة قبل أن تغيب ورفيقاتها تحت عجلاتها العملاقة .

الصراخ والعويل في عشرين بيتا والنعوش تتراص والسواد يعم السنابسة

وعموم القطر المصري..!


عادل عبدالله تهامي السيد علي 

مصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع