كوب الشّاي
ق.ق ~ كوب الشّاي
الكاتبة ~ سعيدة محمد صالح ~ تكتب...
«««««««««««««««««««
✨✨✨كوب الشّاي
في صباح خريفي ناعم، جلست منية على شرفتها، تحت شمسٍ تتسلل بين أوراق صفراء لم تستسلم بعد للسقوط. كانت تمسك بفنجان شاي دافئ، وتمدّ ساقيها على حافة الدرابزين، بينما تتكئ على كفها اليسرى، ترقب العالم من بعيد... دون أن تنتمي إليه تمامًا، ولا تنفصل عنه كليًّا.
منية لم تصل إلى هذا الهدوء بسهولة. خلف هذا الثوب الطويل المتدرج الألوان، وبين تجاعيد الضوء على شعرها المربوط بإهمال، تختبئ امرأة مشت على أشواك الطموح، وحدها.
وُلدت في حيّ شعبيّ، لأسرة تقليدية تظن أن الطموح حِكر على الذكور، وأن أحلام البنات تُقاس بطول الستائر وألوان أواني الطبخ. لكن منية كانت تُخيط في دفاترها مسارات أخرى: الطب، الفلسفة، الأدب، وحتى السفر وحدها، إلى أماكن لا تعرف أسماءها بعد.
كانت تدرس ليلاً تحت ضوء مصباح مكسور الرأس، وتعمل نهارًا في مكتبة صغيرة، تبيع القصص التي حلمت أن تكتب مثلها يومًا. وعندما كانت صديقاتها يحِكن ثياب العرس، كانت هي تخيط سطورًا في أطروحة عن «تمثلات المرأة في الأدب الكلاسيكي».
خاضت معارك كثيرة، بعضها مع الحياة، وبعضها مع ذاتها. بكت كثيرًا، ضحكت قليلًا، لكنها لم تتوقف. لم يكن النجاح عندها صراخًا ولا لافتات، بل تفاصيل صغيرة: كأن تشتري لنفسها كتابًا جديدًا كل شهر، أن تُهدي أمّها وشاحًا من أول مرتب، أن تتحدث في مؤتمر عن عملها، أو حتى... أن تجلس الآن على شرفتها، وحيدة، بلا وجع، بلا حاجة، وتهب لنفسها لحظة تأمل.
ها هي اليوم أستاذة جامعية، كاتبة تُقرأ مقالاتها، امرأة تُحكى قصتها.
تأملت كوب الشاي بين يديها، وكأنها تقرأ خطوط الحياة فيه، ثم همست:
"لم أكن أبحث عن المجد، كنت فقط أريد أن أكون أنا... كاملة."
تسلّلت نسمة خفيفة، فاهتزت صفحة من الكتاب المفتوح أمامها. ابتسمت، وسهت للحظة. في الصفحة، سطر علّقته بعينها:
"النجاح ليس صعودًا، بل إصرار على البقاء واقفًا رغم العثرات."
سعيدة محمد صالح __تونس
تعليقات
إرسال تعليق