حذاء الوالي



 ق.ق ~ حذاء الوالي 

الكاتب ~ بشير علالي ~ يكتب...

«««««««««««««««««««

حذاء الوالي


كان في سالف الزمان بلدة تُدعى "الواصلة"، وسميت كذلك لأنها لا تصل شيئًا بشيء، فلا الطرق تفضي إلى نهايات، ولا الأشغال تُنجز، ولا الأقوال تُترجم إلى أفعال.

وفي هذه البلدة، اجتمع الناس ذات يوم على أمرهم فقالوا:

"نريد من يقودنا، من يسير بنا إلى الرخاء، من يعرف الدرب ويُحسن الخطى."

فما كان من اميرهم إلا أن عيَّن ابن خال صهره من الرضاعة، رجل يُدعى دحلان الكسلان، لم يُعرف له ماضٍ في الحِكمة، ولا أثر في الفِطنة، إلا أنه ذات يوم لبس حذاء الوالي السابق بعد ان أعجبه.

كان الحذاء جلديًا فخمًا، صُنع لأقدام عظيمة، تمشي فتشق الأرض، ولكن قدم دحلان كانت ضئيلة، لا تملأ نصفه.

ومع هذا، أصر أن ينتعله، يخرج به في الناس، ويمشي في الإدارات والدوائر والقرارات.

ولكن ما إن خطا خطوة، حتى تعثر، وما إن تعثر حتى عرقل غيره، وما إن عرقلهم حتى توقف السير كله.

فأراد العمال حفر قناة ماء، فإذا به يصدر قرارًا بإعادة دراسة المشروع لأن الحذاء انزلق في الطين.

وأراد المعلمون بناء مدرسة، فإذا به يطلب تقريرًا من سبع لجان، لأن الحذاء أعاقه في الوصول إلى مكان البناء.

حتى الأطفال لم يسلموا، إذ مُنعوا من اللعب، خشية أن يصيبوا حذاءه بالتراب!

وكان كلما لامه الناس قال:

"ليس الذنب ذنبي، الذنب ذنب الحذاء... فهو من يعيقني!"


حتى قال شاعر ساخر من أهل البلدة:

 يا ليتَ من أوكِلَتْ لهُ الأقدار

عُلّمَ المشيَ قبلَ أن يُختار

فالحذاءُ الذي استعارهُ كبرا

أربكَ الناسَ... كلما سار


وفي يوم مشؤوم، تعثر بالحذاء في مدخل المدينة ، فسقط على وجهه أمام الناس، فانكشفت الحقيقة:

لا الرجل رجلُ مقام، ولا الحذاء حذاءه.

فقال شيخ عجوز:

 "ويل لأهل الواصلة، حين يُسند الأمر لمن لا يُحسن حمله، لا يخطو بهم، ولا يخلّي بينهم وبين الطريق."

وهكذا، بقيت البلدة على حالها، لا تسير إلا متعثرة، وكلما وُلد مشروع، وُئد عند أول رصيفٍ اصطدم به الحذاء الكبير.


بشير علالي / الجزائر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع